بقلم: بلقيس خيري شاكر البرزنجي
تغريد البلابل وزقزقة العصافير في صباحي الباكر تدخل كالتنبيه إلى أذني، ذلك الديك المشاكس يستمر بالصياح والركض وينفض ريشه الملون في حديقة منزلي، يصرخ بأعلى صوته كي يوقظني من سبات الليل. ترحل خيوط الليل، فتتنفس الشمس حرارة الحياة وتداعب أشعتها نوافذنا.
أشعة الشمس التي تنير غرفتي كعروس ترفع فستانها الأبيض، وتكشف عن جمال يوم جديد. أبريق شاي جدتي على نار الحطب يعبق برائحة الياسمين والزعتر، وزهور الربيع بجميع ألوانها الزاهية المتفتحة تملأ بيتنا عبقًا، كأنها لوحة فنية رسمتها يد الطبيعة.
جارتي المسنة وأحاديثها المسلية تلقي عليّ تحية الصباح من نافذتي، فتملأ قلبي بالدفء والمحبة. أسرع الخطى لأرتدي قميص الرياضة الذي خاطته لي أختي بيديها الناعمتين، أود الاسراع كي أستنشق نسيم الصباح الذي يلفح وجهي برقة ويوقظ في روحي الحياة.
تقترب مني قطتي تدلل هي وتمسح بجسدها على وجهي ويدي، أقبلها هذه الماكرة وأسرع راكضًا كي أتمرن، فالشمس ترفرف بأجنحة ذهبية على أوراق الأشجار. تحط حمامة بيضاء على كتفي، تنقر على خدي تريد أن تلعب معي. أبدأ بالجري ثم تطير هاربة مني كأنها أحست أني مشغول عنها، تاركة وراءها أثرًا من الريش الأبيض على كتفي.
الهواء الربيعي النقي ورائحة الخبز الساخن الطازج تملآن الأجواء، ذلك الرجل السمين وولديه يخبزان ألذ الفطائر. أكمل العد التنازلي للجري وأهرب اتجاه الفرن، أرمي له قرشًا وأمسك قطعة خبز. يا الله، حرارته الدافئة ألذ شيء في الصباح، كأن الحياة كلها اجتمعت في هذه اللقمة الساخنة.
ألمح صديقتي الشقراء المغرورة قادمة من بعيد، أخفي الخبز وأستمر بالجري اتجاهها، فقلبي يرقص طربًا لرؤيتها. تلك المغرورة... وقلبي الذي لا يسمع صوت عقلي يجعلني أسقط في هيامها دومًا وهي لا تكترث. نظراتها الحادة لي وضحكات سخرية من زميلتها الحمقاء لا تزيدني إلا انجذابًا.
أكمل رياضتي بالجري، تمر بالقرب مني ولا تكترث، كبرياء الأنثى وغرورها تجتمع معًا. أستمر بالجري حتى أصل البيت، حيث تنتظرني الحياة بدفء وحب. صوت أبناء أخي وهم يلعبون في أرجوحة المنزل التي صنعها أخي لهم، ورائحة التراب في حديقتنا وهي ترش بالماء تبعث في روحي التجدد والأمل.
ابتسامة جدتي الطيبة وصوت أمي الحنون وهي تقول: "لقد تأخرت يا عزيزي، الفطور جاهز". أسرع الخطى نحو المائدة التي اجتمع فيها كل شيء يزينها صحن الكعك الذي صنعته أختي. أبتسم في وجه عائلتي، أجلس بينهم بسرعة وأبدأ بشكر الله على نعمة ودفء الأسرة، فالصباح لا يكتمل إلا معهم.
تابعنا على