Type Here to Get Search Results !

زهرة القمر

بلقيس خيري شاكر البرزنجي 

محافظة السليمانية أقليم كوردستان العراق.

في ليلة مظلمة، اتحدت الشمس والقمر في ظاهرة الكسوف وأنجبا طفلة جميلة أسموها زهرة القمر. كانت بشرتها كأوراق بيضاء ناصعة، رقيقة وشفافة، تلمع في الظلام مثل الألماس. أرسلت لهم إلهة الخصوبة والجمال أنانا بريق تهنئة طاقة من الضوء في القارورة وأعطته للنجوم. تجمعت النجوم حولها لتهنئ القمر على المولودة الجديدة. عندما فتحت إحدى النجمات قارورة الضوء ورمتها على زهرة القمر، أطلقت عطرًا بهيًا ومنعشًا في الفضاء. ازدادت به زهرة القمر جمالًا وعطرًا ولمعانًا وتوهجًا. بدأت زهرة القمر ترقص مع النجوم رقصة الليل، وتتلألأ في منتصفهم كعصا سحرية. كانت النجوم تلمع حولها مثل الأضواء الشمالية، وتغني بألحان سماوية. ساعدت النجوم والكواكب.. عطارد والمشتري.. زهرة القمر على الانتقال من الفضاء إلى الأرض، فنزلت كالشهب اللامعة عند ظل شجرة جوز الهند على شاطئ البحر. بدت كفتاة جميلة كالؤلؤ ناصعة البياض، تفوح بالعطر الجميل وتزداد جمالًا في الظل. كانت رائحة عطرها تملأ الهواء، وتجذب النحل والفراشات الملونة إلى الشاطئ. تألقت زهرة القمر في الليل، فبدت كضوء المصباح الذي ينير عتمة الشاطئ. أطلقت بريقًا من الضوء إلى أمواج البحر، فانعكست صورتها في الأمواج بتوهج ولمعان مثل الألف الألماسات التي تتوهج في الضوء. كانت الأمواج تتلألأ حولها، وتغني بألحان هادئة. سمعت الحوريات السبع زهرة القمر تخاطب البحر وأمواجه، فخرجن عند الصخرة يتأملن جمالها بدهشة. قالت إحدى الحوريات: "من أنتِ؟" فأجابت زهرة القمر: "أنا رمز الجمال والهدوء والسكينة، ولدت من اتحاد الشمس والقمر ليلًا في ظاهرة الكسوف. أنا ابنة القمر وحفيدة الإلهة أنانا". أعجبت الحوريات بجمال زهرة القمر، وقررت إحدى الحوريات أن تخبر ملكتهن الحورية الأم بتتويجها أميرة للبحر والشاطئ إذا نجحت في شفاء إحدى الحوريات المريضة التي تعاني من مرض نادر لا يستطيع أي مخلوق بحري مساعدتها في الشفاء والتخلص من مرضها المزمن.


عند طلوع الشمس، التفت النحلات والفراشات الملونة حول زهرة القمر، وصنعوا لها أرجوحة من الزهور. نقلوها إلى منتصف الصخرة التي تقصدها الحورية الأم الملكة... وهناك خرجت الملكة على عرش الحوريات يحملونها اثنان من الأخطبوط، وأرسلت الملكة لزهرة القمر إحدى الحوريات لتكلمها، فأخبرتها: "هذه القارورة من الملكة فيها رسالة لك". وبعد قراءة زهرة القمر للرسالة، قالت: "أنا موافقة على التعاون معكم ومساعدة الحورية، وسأطلب من أبي القمر أن يمدني بالطاقة لعلاجها... والآن قد برزت أمي الشمس ستغطيني كليًا وأكون شفافة كالزجاج، لا أرى فالنهار سرمد راحتي وخلودي للنوم، سأستيقظ ليلًا وأعد لها العلاج، كونوا على موعد انتظاري". أجابت الملكة والحوريات: "ننتظرك".


عندما حل الليل وزار القمر والنجوم الشاطئ، بدأت زهرة القمر تعزف على قيثارة لحنًا حزينًا" تخاطب أبيها القمر أن هناك روحًا تتعذب من المرض وتود ابنتك مساعدتها". 

...أرسل لها القمر إشارة عن طريق السماء أن عليها الانتظار ثلاثة أيام، ورسم لها بضوءه إلهة أنانا، ثم رسم لها الحوت ورسم لها الأيام الثلاثة. فسألته بصوت مرتفع: "أبي، ماذا تقصد بالحوت؟" الحوريات يتابعن المشهد، قالت إحدى الحوريات: "يقصد بالحوت الذي يمتلك عطرًا العنبر الذي يشبه رائحتك، وقد طلبنا منه أن يساعدنا بالعنبر لشفاء الحورية لؤلؤة، لكنه أبى ذلك". أصاب اليأس الحوريات فقالت إحداهن: "سأزور الحوت وأخبره عن زهرة القمر وعن عطرها الخاص، لعله يشعر أن هناك منافس له في الشاطئ يجب أن يراه". كل يوم قبل طلوع الفجر، تجلس زهرة القمر في آخر ساعة من الليل تتحدث مع صديقتها الصدفة كي تأنس وحشتها وتسليها، فتخبرها الصدفة عن الأساطير البحرية القديمة وعن قصص المخلوقات البحرية الغامضة. وفي تلك الليلة، تطلب زهرة القمر من الصدفة أن تعطيها سر التعامل مع الحوت لكي يساعدها ويعلمها عن أهمية استخدام عطرها العنبر في العلاج. تقول الصدفة: "وبكل صراحة، هذا صعب، لكن أنتِ صديقتي وأنا سأقف معك، وسأخبرك عن سر الحوت. هذا الحوت يكره أن يرى ألوان قوس القزح، وعند رؤيته لها سيغضب ويصدر صوتًا ويطلق عطره في البحر، وعندها تستطيعين أن تخبريه أنك ستحجبين عنه قوس قزح، لكن يجب بالمقابل أن يساعدك ويعطيك سر استخدام العطر الخاص بك".


تجلس زهرة القمر وتفكر ليلة أخرى، لقد تبقى ليلة واحدة كي تساعد الحورية المريضة... والحوريات السبع يجلسون معها كل ليلة للبحث عن الحل!... حتى الحورية التي ذهبت للحوت وحدثته عن زهرة القمر لم تحصل على نتيجة! الجميع أصابهم الإحباط، لكن زهرة القمر تبدأ بالغناء والعزف بكل سكينة وحب وهدوء، جلبت الاستقرار والاسترخاء بصوتها الحزين الذي أرسل ذبذبات لوالدها القمر تخبره فيه: "ساعدني يا أبي". يستجيب القمر لنداء ابنته ويذهب ليلتقي مع إلهة القمر - أنانا السومرية - ويخبرها بقصة ابنته، ويقول لها: "إنها تحب فعل الخير بلا مقابل، فهي خلقت من نور القمر والشمس وباركتها إلهة". ويقول: "يا إلهة الخصوبة والجمال، أنا قلق على ابنتي زهرة القمر، فالحورية المريضة تحتاج إلى العلاج السريع". أنانا: "حسنًا أيها القمر، سأساعد ابنتك زهرة القمر، فهي بضعة من الإلهة على الأرض". "سأستخدم تعويذة 'كودو' السومرية لعلاج الحورية. هذه التعويذة ستعزز قوة زهرة القمر وتساعدها على شفاء الحورية".

القمر: "كيف أستعمل هذه التعويذة؟" أنانا: "سأستخدم كلمات الإله إنليل لإطلاق طاقة الشفاء. وستتدفق الطاقة الإلهية إلى زهرة القمر". بعد أن تستخدم أنانا التعويذة، تعطي أنانا الأذن للقمر والقدرة على علاج الحورية المريضة، وتخبره بكيفية استخدام عصارة الضوء الخليط من الشمس والقمر لتعزيز قوة زهرة القمر وقراءة كلمات الإله إنليل. تضع أنانا الضوء الذي يحتوي على طاقة الشفاء في القارورة وتطلب من وصيفاتها النجوم أن يساعدوا القمر برميه على البحر والشاطئ.

زهرة القمر تتلقى الضوء الذي يحتوي على طاقة الشفاء عن طريق النجوم التي ترميه لها، بينما كانت تعزف بحزن عميق، فتشعر بقوة والداها القمر وإلهة القمر أنانا تتدفق فيها. 

ينتشر الضوء كالسحر في الأفق ويصدر صوت كصقل الماسة المحطمة والعصا السحرية. يخلق الضوء ألوانًا جميلة في السماء وتكون أكبر قوس قزح. يخرج الحوت يصدر صوته المزعج ويقول: "من أيقظني من النوم؟ أنا لا أحب أن أرى هذه الألوان". تناديه زهرة القمر: "سأقوم بحجبها عنك مقابل أن تعلمني كيف استخدم عطري الخاص للعلاج". يخبرها الحوت: "وما غايتك منه؟" تقول له: "فعل الخير". فيقول لها: "حسنًا، سأخبرك السر لكن بشرط أن تجيبي على الأحجية التي سأطرحها". الحوت: "ما هو الشيء الذي يملك رأسًا، ولكن ليس له جسد، ويملك منفذًا، ولكن ليس له يد، ويعطي النور، ولكن ليس له عين؟؟؟" زهرة القمر والحوريات السبع بدهشة! إنها أحجية صعبة. تأخذ زهرة القمر لحظات تأمل ثم تقول: "أنا أحتاج إلى لحظة للتفكير... (تتأمل في السماء وتطلب الإلهام من القمر وإلهة أنانا)". القمر والإلهة أنانا يتابعان المشهد، فيرسلون لها إلهامًا. يأتي الإلهام إلى زهرة القمر على شكل الذبذبات الضوئية فينير لها عقلها. زهرة القمر: "الإجابة هي القمر نفسه، له رأس (الجزء المضيء) ولكن ليس له جسد، ويعطي النور للسماء والبحر، ومنفذه هو الضوء الذي ينبعث منه". الحوت: "أحسنت، الآن سأعطيك السر... (خذي أحد ثمرات جوز الهند وضعي فيها عصارة عطرك وأرسليها لمن تودين مساعدته)". صوت غاضب وعميق، ويغوص الحوت في البحر تاركًا خلفه الأمواج الكبيرة.


تقوم زهرة القمر بفعل ما أمرها به الحوت، وترسل عطرها العنبر الخاص في ثمرة جوز الهند وتعطيه لأحد الحوريات السبع. تجتمع الملكة الأم والحوريات في اليوم الثالث وينتظرون شفاء الحورية لؤلؤة. كانت لؤلؤة تعاني من ألم شديد في جسدها، ولم تستطع الحركة أو السباحة. بدأت زهرة القمر بتلاوة كلمات هادئة لشفاء لؤلؤة، ووضعت أحد الحوريات عطر زهرة القمر الخاص على جسد لؤلؤة. بدأ العطر ينتشر في جسدها، وبدأ الألم يخف تدريجيًا. بعد فترة قصيرة، بدأت لؤلؤة تشعر بالتحسن، وبدأت تتحرك ببطء.


عندما شعرت لؤلؤة بالتحسن، بدأت تبتسم، ودموع الفرح تتدفق من عينيها. قالت: "شكرًا لك، زهرة القمر. لقد أنقذتِ حياتي". زهرة القمر ابتسمت، وقالت: "لا شكر على واجب، لؤلؤة. أنا سعيدة لأنني استطعت مساعدتك". الحورية بدأت بفتح عينيها والتعافي بشكل سريع بسبب تأثير عطر زهرة القمر وقدرته على شفاء .بعد أن امتزج بضوء القمر وحكمة إلهة أنانا.


تقرر الملكة أن تتوج زهرة القمر بتاج الأميرة عرفانًا وشكرًا لها على ما قدمته من فعل الخير لتكون أميرة للبحر والشاطئ، ووضعت لها التاج على الصخرة. كان التاج مرصعًا بالألماس واللؤلؤ، ويشع نورًا أبيضا. الملكة: "زهرة القمر، أنتِ رائعة! شكرًا لك على مساعدة لؤلؤة". زهرة القمر: "شكرًا لك، مولاتي. أنا سعيدة لأنني استطعت مساعدتها".

أجتمعت الحوريات حول زهرة القمر يشاهدن المنظر، وهم يتأملون تتويج زهرة القمر. وهن يرتدين أجمل ثيابهن البحرية، وبدأن بالرقص والغناء والعزف على الآلات الموسيقية البحرية. كانت الأمواج تتلألأ حولهن، وتغني بألحان هادئة. وضعت الملكة التاج على رأس زهرة القمر، وهن يرددن أغنية "قمر البحر".

بدأت الحوريات برمي الزهور البحرية واللؤلؤ الملون في الهواء فبدا كل شئ كالخيال الجميل...لحظات من السكون والجمال، وأصبح تاج أميرة الشاطئ والبحر ملكا لزهرة القمر.

 عندما زارهم الليل، تألقت زهرة القمر تحت ضوء والدها القمر، وأصبحت أكثر جمالا. قلن الحوريات بصوت ناعم: "قمر في السماء، وأنتِ قمر البحر"

ازداد عطرها البهي في الظلام، فملأ أرجاء المكان بالعطر الجميل. أصبحت زهرة القمر رمزا للجمال والهدوء للبحر والشاطئ، وتجلب السعادة لكل المخلوقات هناك. تتألق جمالا في الليل، وتنام في النهار، وتطلق رائحة العنبر مع أول نجمة تظهر في السماء، فتملأ الدنيا بهاءا وسكينة.

كانت الالهة إنانا ووالداها القمر يتابعانها بقلب راضي عنها ويعطوها النور الدائم في الليل لكي تتغذى عليه وتزداد جمالا وتألقا في مساعدة المحتاجين إليها. فهي بضعة من القمر والشمس وحفيدة الالهة إنانا، وأميرة للبحر والشاطئ..