Type Here to Get Search Results !

الواتباد مُتنَفَس التسعين وأملُ المراهقين


بقلم: بيار الضاهر

الواتباد مجتمع الكتابة الحرة أو مثلما يُردد مستخدمو البرنامج "حيث تعيش القصص". في الآونة الأخيرة انتشر الواتباد بشكل ملحوظ وتأثير فعال على كل من يقرأ قصصه، يضم البرنامج الآن ما يقارب 90 مليون قارئ وكاتب من مختلف الأعمار والجنسيات. وعلى الرغم من إيجابيات البرنامج وتعزيز روح القراءة والكتابة الإبداعية ألا أن سلبياته في العراق تحديداً باتت أكبر. هناك من كتب من خلال قصته الواقعية، وآخر من خياله, وآخرون كل تجربة فاشلة وعلاقة يدونونها سواء كانت مفيدة أو بلا معنى.
الواتباد، مجتمع حر جداً جداُ لدرجة اللا رقابة ومؤخراً أصبح محتوى القصص المطروحة مبتذل تطغي عليه الطائفية والحروب التي أخذت ما أخذت قديماً عادت اليوم بطريقة منمقة لتستحوذ على أفكار المراهقين وزرع الكراهية لديهم فضلا عن السادية والعنف والانتقام والتمييز الملحوظ و خطاب الكراهية المباشر.
قبل فترة أرسل لي شخص على أحد مواقع التواصل رسالة طالبا مني أن أرشح كتب لابنته البالغة من العمر 14عام بعد تأثرها الشديد بقصص الواتباد المطروحة لدرجة بات حلمها أن تتزوج شخص يشبه بطل الرواية وتكون الزوجة الثانية المدللة. وهذا ما دفعني لأطرح سؤالاً في حسابي على منصة انستقرام "ليحدثني قراء الواتباد عن تجاربهم" فدُهشت بعدد الرسائل الهائلة. تخبرني أحدى القارئات بأنها لن تجد قط سردية تشبه سردية القصص المكتوبة وعبرت عن اعجابها الشديد بإحدى القصص لدرجة اقترحت عليّ أن أقرأها حتى اتضح الأمر بأن القصة حول (الفصلية) فسألتها ما رأيك أنت، تجيبني: (أتمنى أن أكون أنا الفصلية ويكون زوجي فلان) وتقصد البطل هناك، هنا كانت الصدمة الأولى حتى اعتدت على هذه الجملة من أكثر من قارئة، وبعد التواصل مع قارئات تتراوح أعمارهن من(12-21) أكاد أجزم معظمهن طموحهن الضفر بشاب يشبه بطل الرواية مع مراعاة العضلات وطول القامة والبشرة الحنطية والنزعة القبلية. إن هذه الموجة التي عززت من جيل جديد متقبل لأمور لا يدري عواقبها فقط لأنها قُدمت له بشكل مُنمق و بأسم الحب الذي يبحث عنه بأروقة المدارس والجامعات ما هو إلا خطر فادح بنشوة المراهقة. تأتيني أخرى محطمة الثقة بالنفس بعد أن اكتشفت بأن من خلال القصص المذكورة دائماً بطلة الرواية تكون الفتاة الناعمة الرقيقة ذات الشفة الكرزية والأنف المدبب والشعر الطويل وهي لا تملك كل ما ذكر وترى كيف يعاملها البطل على العكس تماماً من الفتاة عادية الملامح فأصبحت لديها عقدة الارتباط خوفاً من أن لا تحظى بمعاملة جيدة. وهذا ما دفعني أكثر للتواصل مع قارئات من جيل التسعين وكانت تتراوح أعمارهن من (24-29) فبكل صدق أنقل ما وصلني، تقريباً كلهن ولأكون أكثر دقة من بينهن مراهقات قليلات تحدثن بامتنان عن التطبيق قائلات " تعلمت الكثير تعلمت أمور دينية أجهلها وتعلمت العوض الجميل من بعد الصبر تعلمت أكون المرأة المحافظة على منزلي وأطفالي وكيف أتعامل مع زوجي تعلمت عن الأمراض النفسية والكثير من الأمور المجتمعية"
إذن، القصة واحدة لكن كل يغني على ليلاه. لا انكر بانني التمست طيف جمال وهو توحد المجتمع بهذه القصص ألا إن الطبقية والتقسيم كان واضحاً لدرجة فتح ملفات قديمة بطريقة مرعبة. كما و نشرت احدى الصحف العراقية بأن احد الأشخاص تفاجئ بأن أسرار بيته باتت للعلن وذلك من خلال كاتبة مبتدئة لا تدري ماذا سيحدث بالخطوة القادمة كتبت مشكلة صديقتها بكل حذافيرها فانتهى الأمر بالطرفين إلى المحكمة.
اليوم, أصبح الواتباد مجتمع، وسكان هذا المجتمع بين مؤيد ومعارض وعندما كتبت عن ذلك فأنا أطرح قضية مجتمع يعيش بوسط مجتمع آخر، فالهدف لا انتقاص من الكاتبات والكتاب ولا من القارئات والقراء لكن إعادة النظر في تبني الأقلام الطموحة المبدعة وفتح مساحات برقابة أكثر إضافة إلى أهمية تنبيه العائلة وأخذ الدور اللازم بالرقابة، وتنمية شغف القارئات و القراء والكاتبات والكتاب بكتب أكثر فائدة وتبني المبدعين منهم.