بقلم: عمار السامر
في قلب جنوب العراق، حيث يتشابك التاريخ مع الحاضر، تقف البصرة شامخة كشاهد على إرث ثقافي وحضاري امتد لآلاف السنين. لكن هذه المدينة العريقة، التي اشتهرت بموقعها الاستراتيجي وثرواتها النفطية، تحمل أيضاً لقباً آخر لا يقل أهمية: "قلب الصحافة العراقية النابض". فمنذ تأسيس صحيفتها الأولى عام 1898، ظلت البصرة منارة للإعلام العراقي والعربي، تنافس بصحافتها المتميزة وكوادرها اللامعة، محتضنة إبداعات صحفية شكلت جزءاً من هوية العراق الحديث.
الزوراء وبصرة.. بداية رحلة الصحافة العراقي
عندما صدرت صحيفة "الزوراء" في بغداد عام 1869 كأول صحيفة عراقية، كانت البصرة ترسم خطواتها لتحذو حذو العاصمة. وبعد نحو ثلاثة عقود، تحديداً في عام 1898، دخلت المدينة التاريخ من بابه العريض بإصدار صحيفة "بصرة"، التي حملت شعلة التنوير إلى جنوب العراق، لتصبح ثاني أقدم صحيفة عراقية. لم يكن إصدار الصحيفة مجرد حدث عابر، بل نقطة تحول ثقافي واجتماعي، حيث ساهمت في تشكيل الوعي الجماعي، ونقلت صوت المدينة إلى العالم عبر مقالاتها التي جمعت بين العمق المحلي والرؤية الكونية.
إرث ثقافي وحضاري يلهم الأجيال
لا يفهم تميز الصحافة البصرية دون الغوص في إرث المدينة الضارب في القدم. فالبصرة، التي أسسها العرب عام 636 ميلادية، كانت عاصمة للعلم والأدب في العصر العباسي، وميناء تجارياً يربط الشرق بالغرب. هذا التنوع الثقافي والتاريخي انعكس على صحافتها، التي مزجت بين الهوية العربية الأصيلة وانفتاحها على الحضارات المجاورة. كما أن موقعها الجغرافي الفريد، المطل على الخليج العربي، جعلها مسرحاً لأحداث عالمية، من الحروب العالمية إلى التحولات الاقتصادية، مما وفر مادة خصبة للتحليل الصحفي الاستقصائي.
كوادر صحفية.. إبداع يتحدى التحديات
رغم كل التحديات التي مر بها العراق، ظلت البصرة تنجب كوادر صحفية استثنائية، تميزت بجرأة الطرح وحرفية الأداء. فمن أعلام الصحافة البصرية الذين سطروا مقالات حركت الرأي العام، إلى المراسلين الذين وثقوا تحولات المدينة السياسية والاجتماعية، أثبت صحفيو البصرة أن الإعلام رسالة قبل أن يكون مهنة. ولا يخفى على المتابع دورهم البارز في تغطية أحداث محورية، مثل انتفاضة وإبراز قضايا البيئة والإصلاح الاقتصادي في مدينة تُعد عصب الاقتصاد العراقي.
البصرة اليوم.. صحافة تنافسية وموقع استراتيجي
اليوم، لا تزال البصرة تحتل موقعاً محورياً في الخريطة الإعلامية العراقية. فبالإضافة إلى صحفها الورقية، انطلقت من رحمها منصات إلكترونية وقنوات فضائية تتنافس في نقل الحقيقة باحترافية. كما أن ثرواتها النفطية، التي تشكل 70% من إيرادات العراق، تجعلها تحت مجهر الصحافة الاستقصائية الدولية. ولا ينسى دورها في تغطية قضايا التغير المناخي وأزمة المياه، التي حولتها إلى نموذج لصحافة المواجهة مع التحديات العالمية.
البصرة.. حكاية صحافة لا تنتهي
إن احتفال الصحافة البصرية بيومها السنوي ليس مجرد ذكرى لتأسيس صحيفة، بل تأكيد على أن البصرة، بروّادها وإرثها، ستظل حاضنة للإعلام الحر الذي يجمع بين أصالة الماضي وطموح المستقبل. فكما قال أحد أعلامها: "البصرة ليست مدينة في جنوب العراق، بل هي فكرة تنتصر كلما كتبت كلمة حق على صفحاتها".
تابعنا على