لقمان عبد الرحيم الفيلي
الخميس - 2023/11/30
تشتهرُ ألمانيا، التي يطلق عليها في كثير من الأحيان لقب «محرك أوروبا»، ببراعتها التكنولوجيَّة والابتكار في مختلف القطاعات، ومن هندسة السيارات إلى الطاقة المتجددة، كانت مساهمات ألمانيا في التقدم التكنولوجي العالمي كبيرة، وبينما يسعى العراق إلى إعادة بناء وتطوير بنيته التحتيَّة واقتصاده، هناك الكثير مما يمكن كسبه من التفاهم والتعاون مع ألمانيا في مجال التكنولوجيا. إنَّ تراث ألمانيا في العلوم مشهود له في العالم، وتتمتعُ البلاد بتقاليد قويَّة في مجال البحث العلمي والتعليم، مع وجود العديد من الجامعات والمؤسسات البحثيَّة ذات المستوى العالمي، وتستمر في لعب دورٍ محوري في تطوير المعرفة والابتكار في مختلف التخصصات العلميَّة.
الأساس الصلد:
يمكن أنْ يعزى تقدم وتطور التكنولوجيا الألمانيَّة إلى أُسسٍ رئيسة عدةٍ بما في ذلك:
* نظام تعليم قوي
* ثقافة الدقة والابتكار
* الاستثمار الكبير في البحث والتطوير
* الحماية القويَّة للملكيَّة الفكريَّة
* التركيز القوي على التكيف مع التكنولوجيا المتغيرة
* التعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثيَّة والصناعيَّة
* الدعم الحكومي للمبادرات
* التعاون النشط مع الشركاء الدوليين في مشاريع البحث وتبادل التكنولوجيا
* النظام البيئي للابتكار
* أخيراً قاعدة وبِنْية تحتيَّة صناعيَّة قويَّة تغطي مختلف القطاعات، بما في ذلك السيارات، والآلات والمواد الكيميائيَّة والإلكترونيات.
باختصار، يعتمد التقدم التكنولوجي في ألمانيا على أساسٍ متينٍ من التعليم والابتكار والبحث والتطوير، والقطاعات الصناعيَّة القويَّة، وثقافة الدقة والجودة، وقد سمحت هذه العناصر، جنباً إلى جنب مع النظام البيئي الداعم والسياسات الحكوميَّة، لألمانيا بالتفوق المستمر في مختلف المجالات التكنولوجيَّة والمحافظة على مكانتها كدولة رائدة عالميَّة في مجال الابتكار والتكنولوجيا.
الفرص المتاحة للقطاع العام والخاص العراق تفتخرُ ألمانيا بامتلاكها للعديد من مراكز التكنولوجيا، ومراكز الابتكار، وظروف مناسبة ومتنامية للشركات الناشئة، وتوفر هذه المراكز فرصاً قيّمة لرواد الأعمال العراقيين في مجال التكنولوجيا للاستفادة من الخبرة الألمانيَّة والوصول إلى فرص الاستثمار، في ما يلي بعض المواقع والجوانب الرئيسة للمشهد التكنولوجي والشركات الناشئة في ألمانيا:
- برلين عاصمة الشركات الناشئة: هي قلب نظام بيئة العمل للشركات الناشئة في ألمانيا، والمعروفة بمشهدها التكنولوجي المتنوع والنابض بالحياة.
- ميونيخ: ترتبطُ بيئة العمل التكنولوجي في ميونيخ ارتباطاً وثيقاً بقاعدتها الصناعيَّة القويَّة، مع التركيز على صناعات مثل السيارات والفضاء.
- فرانكفورت: تعدُّ فرانكفورت مركزاً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الماليَّة نظراً لشهرتها كمركزٍ مالي في أوروبا.
- هامبورغ: تركز بيئة العمل للشركات الناشئة في هامبورغ على وسائل الإعلام والإعلان والصناعات الإبداعيَّة.
- شتوتغارت: هي موطنٌ لكبرى شركات السيارات مثل مرسيدس بنز وبورش، فهي توفرُ فرصاً للشركات الناشئة المتخصصة في تكنولوجيا السيارات وحلول التنقل.
خمسة مجالات لفائدتنا نحن كعراقيين:
يمكن إيجاز المجالات المحددة التي يمكن للعراق أنْ يستفيدَ فيها من الخبرة التكنولوجيَّة الألمانيَّة، بالآتي:
1- الطاقة المتجددة وتطوير البِنْية التحتيَّة:
أولاً - الطاقة الشمسيَّة: يمتلك العراق وفرة من أشعة الشمس على مدار العام، ما يجعله مرشحاً مثالياً لتوليد الطاقة الشمسيَّة، وإنَّ تجربة ألمانيا في تسخير الطاقة الشمسيَّة يمكن أنْ تدعمَ توجه العراق لتطوير مزارع الطاقة الشمسيَّة والأنظمة الكهروضوئيَّة.
ثانياً - طاقة الرياح: تتمتعُ مناطق العراق، مثل الصحراء الغربيَّة والمناطق الجبليَّة الشماليَّة، بإمكانات كبيرة في مجال طاقة الرياح. إنَّ التعاون مع الشركات المصنعة لتوربينات الرياح الألمانيَّة والخبرة في إدارة طاقة الرياح يمكن أنْ يسهلَ توليد الطاقة المستدام في العراق.
ثالثاً - تكامل الشبكة: استثمرت ألمانيا في أنظمة إدارة الشبكة المتقدمة لدمج مصادر الطاقة المتجددة بكفاءة، ويمكن لهذه الخبرة أنْ تساعدَ العراق في تحديث شبكته الكهربائيَّة لتحسين الاستقراريَّة والموثوقيَّة.
رابعاً - تطوير البِنْية التحتيَّة: يمكنُ للقدرات الهندسيَّة الألمانيَّة أنْ تدعمَ مشاريع تطوير البِنْية التحتيَّة في العراق، بدءاً من شبكات النقل إلى مبادرات المدن الذكيَّة، ويمكن للشركات الألمانيَّة المتخصصة في البناء والهندسة المدنيَّة والتخطيط الحضري أنْ تقدمَ رؤى قيّمة يستطيع من خلالها العراق محاكاة التجربة الألمانيَّة.
2 - السيارات والنقل:
أولاً- مصادر الطاقة النظيفة (الطاقة الكهربائيَّة): يمكنُ للتقدم الذي حققته ألمانيا في تكنولوجيا السيارات الكهربائيَّة أنْ يشجعَ العراق في تحويل قطاع النقل لديه نحو خياراتٍ أنظف وأكثر استدامة، بدلاً من استخدام الوقود المحروق، كما يمكن للمدن العراقيَّة أنْ تستفيدَ من المبادرات التي تروج للبِنْية التحتيَّة لشحن المركبات الكهربائيَّة.
ثانياً - النقل العام: يمكن لأنظمة النقل العام الفعالة في ألمانيا، بما في ذلك القطارات عالية السرعة والنقل الحضري جيد التخطيط، أنْ تكونَ بمثابة أنموذجٍ لجهود العراق لتعزيز التنقل وتقليل الازدحام المروري في المدن الكبرى والتنقل بين المحافظات وإنشاء شبكة من خطوط سكك الحديد تغطي العراق بأكمله.
3 - التعليم المهني والفني:
أولاً نظام التعليم المزدوج: يجمعُ نظام التعليم المزدوج الشهير في ألمانيا بين التدريب العملي والتعليم في الفصول الدراسيَّة، ما يؤدي إلى إنتاج قوة عاملة ذات مهارات عالية، وإغناء رأس المال البشري العراقي. ويمكن للعراق أنْ يكيفَ مناهجه التعليميَّة والتدريبيَّة بالاستفادة من هذا النظام لسد الفجوة في المهارات وإعداد شبابه لشغل وظائف في مجال التكنولوجيا والهندسة.
4 - الاستدامة البيئيَّة:
أولاً- إدارة النفايات: يمكنُ للخبرة الألمانيَّة في إدارة النفايات، بما في ذلك إعادة التدوير وتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة، أنْ تساعدَ العراقَ في مواجهة تحديات إدارة النفايات وانعكاساتها السلبيَّة على البيئة والصحة العامة.
ثانياً- التنظيم البيئي: يمكن للعراق أنْ يتعلمَ من الأنظمة البيئيَّة الصارمة والسياسات المستدامة في ألمانيا، ومواءمة جهوده التنمويَّة مع الاستدامة البيئيَّة طويلة المدى وسنّ التشريعات والقوانين ذات الصلة بهذا المجال. إنَّ التعاون بين ألمانيا والعراق، لا سيما في هذه المجالات، يحمل فوائد كبيرة، من خلال الاستفادة من التقدم التكنولوجي الذي حققته ألمانيا وتكييفه مع احتياجات العراق وتحدياته الفريدة، كما يمكن لكلا البلدين تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحسين البِنْية التحتيَّة، والمساهمة في مستقبلٍ أكثر استدامة، وبالتأكيد سيكون نقل المعرفة والتكنولوجيا، وأفضل الممارسات بمثابة حافزٍ للتطور التكنولوجي والتقدم الشامل في العراق.
5 - هيئة الشركات الناشئة وريادة الأعمال:
يستطيع العراق تقديم المحفزات التي تسهمُ بتسريع الأعمال على غرار نظيراتها التجربة الألمانيَّة الناجحة، وبالتأكيد فإنَّ ذلك سيسهم بتقديم الدعم والإرشاد والموارد وفرص التمويل لرواد الأعمال الناشئين، ويدرج في هذه الفقرة المزايا التالية:
أولاً- الحاضنات والمسرعات: يستطيع العراق إنشاء حاضنات ومسرعات الأعمال على غرار نظيراتها الألمانيَّة الناجحة. توفر هذه المنصات الإرشاد والموارد وفرص التمويل لرواد الأعمال الناشئين.
ثانياً- الوصول إلى الأسواق العالميَّة: يمكنُ للجهود التعاونيَّة أنْ تساعدَ الشركات العراقيَّة الناشئة على الوصول إلى السوق الأوروبيَّة عبر الشبكات الألمانيَّة، ما قد يفتح الأبواب أمام المستثمرين والعملاء الدوليين.
ويمكن أنْ تشملَ فرص التعاون والتمويل لرواد الأعمال العراقيين في مجال التكنولوجيا ما يلي:
أولاً- نقل المعرفة: يمكن لرواد الأعمال العراقيين في مجال التكنولوجيا الاستفادة من نقل المعرفة من خلال التعاون مع الشركات الناشئة والمهنيين الألمان. ويمكن أنْ يشمل ذلك المشاريع المشتركة أو الشراكات أو المشاركة في برامج التسريع، الأمر الذي سيسهم بكل تأكيد بالاستغناء عن وسائل الإنتاج التقليديَّة، وتقليل الكلفة وزيادة الفائدة المحققة للجميع.
ثانياً- فرص الاستثمار: يهتم المستثمرون الألمان، بما في ذلك أصحاب رؤوس الأموال، بالحلول التقنيَّة المبتكرة، ويمكن لرواد الأعمال العراقيين البحث عن فرصٍ استثماريَّة من خلال عرض أفكارهم على هؤلاء المستثمرين أو المشاركة في الفعاليات والمسابقات.
ثالثاً- البحث والتطوير: يمكنُ للتعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثيَّة والأكاديميَّة العراقيَّة ومراكز البحوث مع نظيرتها الألمانيَّة أنْ يوفرَ إمكانيَّة الوصول إلى موارد البحث والتطوير المتقدمة، وهذا التعاون سينعكسُ بالفائدة على التقدم التكنولوجي المنشود في العراق.
من المهم لرواد الأعمال العراقيين أنْ يتفاعلوا مع منظمات الدعم المحليَّة والمكاتب التجاريَّة وشبكات الأعمال للتنقل في نظام بيئة العمل للشركات الناشئة الألمانيَّة بشكل فعال، فضلاً عن ذلك، يعدُّ فهم اللوائح الألمانيَّة وحقوق الملكيَّة الفكريَّة والفروق الثقافيَّة الدقيقة أمراً بالغ الأهميَّة عند دخول السوق الألمانيَّة، ومن خلال الاستفادة من مراكز التكنولوجيا ومراكز الابتكار في ألمانيا، يستطيع رواد الأعمال العراقيون في مجال التكنولوجيا الاستفادة من الخبرات وفرص النمو والتعاون.
خاتمة:
إنَّ التزام ألمانيا بالتميز الهندسي والابتكار في مجال التقنيات الخضراء يتوافقُ مع هدفها المتمثل في تعزيز الاستدامة والحد من بصمتها البيئيَّة، ولهذه التطورات آثارٌ عالميَّة، وتقدم رؤى وحلولاً قيّمة لبلدانٍ أخرى، بما في ذلك العراق، الذي يسعى إلى تبني تقنيات تنتج طاقة أنظف وأكثر كفاءة من أجل مستقبلٍ مستدام.
وبينما يسعى العراق لإعادة البناء والتقدم، فإنَّ التفوق التكنولوجي الذي تتمتعُ به ألمانيا يشكلُ مصدراً للإلهام وشريكاً قيّماً في التنمية، ومن تحسين البِنْية التحتيَّة لوسائل النقل إلى تبني الطاقة المتجددة وتعزيز الابتكار، هناك الكثير الذي يمكن للعراق أنْ يتعلمه ويكتسبه من التجربة الألمانيَّة، ومن خلال إقامة علاقات تعاونيَّة والاستفادة من الخبرة التكنولوجيَّة الألمانيَّة، يستطيع العراق أنْ يمهدَ الطريق لمستقبلٍ أكثر إشراقاً وأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجيَّة، ومعاً، يمكن للدولتين تسخير قوة التكنولوجيا لدفع التقدم والاستدامة والرخاء لشعبيهما.
* سفير جمهورية العراق في برلين
تابعنا على