Type Here to Get Search Results !

فـقاعة الثقافة


بقلم: أساور البهادلي - العراق

إن كانت الثقافة أمر اعتباري فما هيَ الثقافة اليوم؟ قد يشتري البعض مجموعة مِن الكُتُب فقط ليصعد أسمه فيّ سوق المَشهد الثقافي مُعتقداً إن تقييم الأشخاص له علىٰ مايملكه مِن كُتُب اكثر مِن معلوماته فبقدر ماتمتلك مِن كُتُب ترتفع مكانتك السوقية فيّ المَشهد الثقافيّ ولاعبره لهم بِما تملكه مِن معلومات 

إن التقصد والتعمد والتكلف بالثقافة لايحعلك مُثقفاً بَّل يجعلك فارغاً تمتلأ يوماً مثل الفقاعة ثمًَ تَنبَثق شيئاً فشيئاً ويخرج محتواه الأصلي، فصعودك علىٰ أكتاف الثقافة لايعني أنك مُثفق ولا يجعلك فيلسوفاً بَّل يُسقطك أسفل السافلين

فما علينا سوىٰ الإجتهاد والبحث وطلب العلم للوصول الى الثقافة الحقيقة بعيداً عَن تلك المسالك ويؤسفنا حقاً إن نرى العالم العربي ينحدر في مقاييسه الثقافة بعيداً كُـلّ البُعد عن الحقيقة الثقافية بَّل مازالوا غافلين عَنها وقد يكون البعض سمع عنها القليل وأراد الركوب فيها وأنّ يقتفي مَعالمها 

علىٰ أي حال يُمكننا إعتبار القرن هذا قرن الغرور الثقافي لِمن هم لايزالون يعيشون بعقلية القرون السابقة وإن هناك فرق بين المُثقف والمُستثقف والغريب بالأمر إنَّ المُستثقف يواجه المُثقف بالهزء وَالتحقير والإستهزاء

 فالمُثقف هو مِن يواجه أفكاره وأفكار الأخرين بالحدود الفكرية هو ذلك الذي يمتاز بليُونَة رايه وأستعداده لتلقَّن كُـلّ فكرة جديده والتأمل فيها

أما المُستثقف هو مِن يعترض عَن أراء الأخرين ويبلغ غروره فيّ أرائه وأفكاره بَّل ولايتحمل رأياً مُخالفاً لرايه

يقال إنَّ المقياس الذي نقيس فيه ثقافة شخص ما

هو مقدار مايتحمل هذا الشخص من أراء غيره المخالفة لراية فالمُثقف يشك دائماً فيّ صحة رايه بينما المُستثقف يرىٰ رأيه صحيح دون شك مقيداً ومحدوداً، مايجوب مُجتمعاتنا العربية اليوم هو تعالي مكانة المُستثقفين فيه وإنتكاس مكانة المُثقف وهذا مايؤدي الىٰ تنمية فجوات حقيقية بين الثقافة الحقَّه وبين الثقافة الوهمية وتعتبر هذه العوامل اشدها فيّ زيادة هده الفجوات بين الفقراء عقلياً ونفسياً 

 

ولو بحثنا أكثر عَن مفهوم الثقافة لوجدنا إنها خروج عَن الذات وإلإنغماس فيّ عوالم أعلىٰ وأسمىٰ 

فأن تكون مُثقف لايعني أن تمتلك مجموعة مِن الكُتُب أو تبني لك مكتبة كبيره

 إن تكون مُثقف لايعني إن تستخدم ثقافتك لمصالحك ورغباتك بَّل إن يجعلها اداة خالصة لنهوض المُجتمع والنظر في مسيرة الكون فيّ سبيل مصالح ومنافع المُجتمع، فالمُثقف مِن يحترم الجميع مهما أختلفوا معهٌ بالفكر

إن تكون مُثقف لايعني أستبهامك فيّ كلماتك  التي تتحدث بها هنا وهناك ليقال عنك بأنك ممُثقف

 أن تكون مُثقف لايعني معرفتك التامة بالموسيقىٰ والفن لايعني سماعك لفيروز وإرتشافك للقهوة والتلذذ بأشعار المُتنبي

 فأنتَ هنا معرفيّ مُستثقف لامُثقف !

فَمِن يمتلك مكتبة ليسَ بالضّرورة مُثقفاً 

ومِن يملك شهادة ليسَ بالضّرورة مُثقفاً 

ومِن يقرأ كتاباً لكبار الكُتاب ليسَ بالضّرورة مُثقفاً 

ومِن يعرف بعض السيمفونيات ليسَ بالضّرورة مُثقفاً

فالمُثقف قد يكون عالماً طبيباً وزيراً حاكماً فلاحاً نجاراً،بَّل هو ذلك الذي يقلل دائرة السلبيات ويوسع دائرة الإيجابيات كما قال الدكتور نجم عبد الكريم 

 

ختاماً فأن المعنىٰ الحقيقي للمُثقف الحقيقي هو ذلك الذي ينخرط فيّ  التفكير النقدي  ويقضي الوَقت فيّ تغيير مُعتقدات وتخيلات الناس مُتنقلاً من سفسطة الحتميات الىٰ سفسطة التاكيدات مُتقبلاً التيارات الفكرية المُعاِضة لهٌ ولأفكاره فيكون وأسع الحلم ورَحب الصَّدر

ماعلينا هنا لعلاج المُستثقف إلى إستعمال علاج عظيم تُنَّمي فيها قوة العقل الظاهر وَتَنقَبض فيه قوة العقل الباطن.