بقلم: نجوان حكمت
يعد رينيه ديكارت من أبرز العقلانيين في الفلسفة الحديثة، وقالوا عنه هو مؤسسها، إذ تميز نهجه الفكري بإيجاد فلسفة عملية تهتم بالتجربة وتتفاعل مع نتائجها. فالمعرفة اليقينية التي لا يعتريها الشك، وفق رأي ديكارت، تعتمد على مدى معرفتنا بوقائع التجربة، والسبيل إلى ذلك، أن نقوم بعملية فكرية ثلاثية الركائز: حدسية وتجريبية واستنتاجية. الأولى لتسمية المبادئ الأولية الموضحة لكل شيء، الثانية من أجل أن نستخلص من هذه المبادئ نتائجها المباشرة، والثالثة في تناول الوقائع ومقارنتها مع مبادئ التفسير الموضوعة بشكل سابق للتجربة ، وأن تعدد القاعدة جميع الأنشطة الفكرية التي يمكننا من خلالها الوصول إلى معرفة الأشياء من دون أي خوف من الخداع. فهي تسمح بحدسين واستقراء فقط
وأعني بالحدس ليس التأكيد المتذبذب للحواس، أو الحكم المضلل للخيال الخطأ، ولكن التصور الذي يتكون من الانتباه العقلي الواضح، فهو سهل للغاية ومتميز بحيث لا يترك مجالاً في ما يتعلق بما نحن عليه من فهم (كتابات فلسفية، طبعة إنجليزية)
إذ يعتقد ديكارت أن العلوم مترابطة بشكل وثيق لدرجة أنه لا يمكن دراسة علم ما بمعزل عن بقية العلوم. وأن العقل يمتلك وسيلتين للارتقاء إلى معرفة الحقيقة، الحدس والاستنتاج. الأولى، الإدراك البديهي الذي ينشأ من أنوار العقل، ويدرك الفكر اليقظ بوضوح وتمييز بحيث لا يطاله الشك، وليس الحدس المتقلب الذي نتلقاه عن طريق الحواس، أو الحكم المضلل الصادر من المخيلة. المشوشة بالفطرة الثانية، استخلاص من شيء نعرفه معرفة موثوقة مؤكدة، نتائج تنجم عنه بالضرورة، فهناك أشياء ليست بديهية في حد ذاتها لكنها يقينية، شريطة أن يستنتجها الفكر من مبادئ صحيحة .
رينة ديكارت:.
هو عالم وفيلسوف وفيزيائيّ، لُقّب ب (أبي الفلسفة الحديثة) ، كما ساهمت أطروحاته الفلسفيّة التي لا زالت تُدرّس في المدارس والجامعات حتى يومنا الحالي في ظهور عدد كبير من الأطروحات الغربيّة الفلسفيّة الحديثة، ومن أشهر كتبه ومؤلفاته هو كتاب بعنوان ( تأملات في الفلسفة الأولى ) والذي قام بنشره في عام 1641 للميلاد، والذي يُعتبر حتى عصرنا الحالي المرجع الأساسي لمعظم كليات الفلسفة في العالم، وبالإضافة للفلسفة والفيزياء فقد كان نابغةً في علم الرياضيات؛ حيث وضع نظاماً رياضيّاً جديداً أطلق عليه اسم نظام الإحداثيات الديكارتيّة، كما يُعتبر المؤسس الأول للعقلانية في القرن السابع عشر، وهو صاحب العبارة الشهيرة " أنا أفكر إذاً أنا موجود".(١)
نشأته وحياته :
ولد ديكارت في 31 مارس عام 1596 م في مدينة لاهي آن تورن الفرنسية، لكن أسرته كانت ترجع في أصلها إلى هولندا ، ينتمي ديكارت إلى أسرة من صغار النبلاء، حيث عمل أبوه مستشارًا في برلمان إقليم بريتانيا الفرنسي. وكان جده لأبيه طبيبًا، وجده لأمه حاكمًا لإقليم بواتيه ، وفي عام 1604 التحق ديكارت بمدرسة لافلشي ، وهي تنتمي إلى طائفة دينية تسمى باليسوعية، وقد تلقى ديكارت فيها تعليمًا فلسفيًا راقيًا يعد من أرقى الأنواع في اوربا وبدا فيها ديكارت في تعلم الادب والمنطق والأخلاق ثم الفلسفة وأخيرًا الرياضيات والفيزيا ، ونال إجازة الحقوق من جامعة بواتيه حيث تخرج ديكارت من الكلية عام 1612 حاملًا شهادة الليسانس في القانون الديني والمدني عام 1616.(2)
وعلى عادة النبلاء في ذلك العصر، نصحه أبوه بالالتحاق بالجيش الهولندي، إذ كان هذا الجيش أفضل جيوش اوربا نظامًا وخبرة، وكان يشكل مدرسة حربية لكل من أراد أن يتعلم فن الحرب. وبالفعل رحل ديكارت إلى هولندا عام 1618 وتعرف هناك على طبيب هولندي يدعى اسحق بيكمان، وكان متبحرًا في العلوم، وشجعه على دراسة الفيزياء والرياضيات وعلى الربط بينهما، وكانا يمارسان معًا طريقة جديدة في البحث تطبق الرياضيات على الميتافيزيقيا ، وترد الميتافيزيقا إلى الرياضيات، وقد كان لهذه الطريقة أبلغ الأثر في تطور ديكارت الفكري وفي تشكيل فلسفته، إذ أن منهجه ومذهبه الفلسفي لن يختلف كثيرًا عن طريقة البحث هذه.
تطوع للخدمة في الجيش الهولندي عام1618 م، وخاض معه عدة معارك، وفي عام 1622 م عاد ديكارت إلى فرنسا وصفى جميع أملاكه ليستثمر الأموال في تجارة السندات المالية وقد أمنت له دخلا مريحا لبقية حياته. وفي الفترة بين 1628 م و1649 م عاش ديكارت حياة علمية هادئة في هولندا ، وألف فيها معظم مؤلفاته، والتي أحدثت ثورة في مجالي الرياضيات والفلسفة .
غادر ديكارت هولندا عام 1619 وذهب إلى ألمانيا، وهناك اكتشف الهندسة التحليلية التي اشتهر بها ووضع يده على قواعد منهجه الفلسفي. وفي عام 1620 بدأ في السفر متنقلًا بين العديد من المدن الأوربية لمدة تسع سنين، وفيها باع أملاكه التي ورثها عن أمه، وعرض عليه أبوه أن يشتري له وظيفة حاكم عسكري فرفض ديكارت وآثر أن يعيش حياة العزلة. وفي عام 1628 غادر فرنسا إلى هولندا حيث قضى فيها فترة كبيرة من حياته. والذي جعله يفضل هولندا أنها كانت آنذاك من أقوى وأغنى الدول الأوروبية وأكثرها ازدهارًا في العلوم والفنون. وفي عام 1629 بدأ ديكارت في كتابة رسالته ( العالم ) وفيها يبحث في الطبيعة على أساس النتائج التي توصل إليها كوبرنيكوس وكلبر و جاليلي في النظام الشمسى ودوران الأرض حول الشمس. لكن حدث أن أدانت محكمة التفتيش والكنيسة الكاثوليكية في روما العالم الإيطالي جاليليو عام 1633، خوفًا من أن تؤدي آراء جاليليو الجديدة إلى سقوط الاعتقاد القديم بأن الأرض ثابتة في الكون والنجوم والكواكب تدور حولها وعندئذ خشى ديكارت أن يكون مصيره نفس مصير جاليليو، فلم يكمل الرسالة وكاد أن يحرق أوراقها وعزم على ألا يكتب أي شيء على الإطلاق، مما أدى إلى توقف ديكارت عن نشر بعض أفكاره، وفي عام 1643 م أدانت جامعة اوتريخت الهولندية الفلسفة الديكارتية. في هولندا تتلمذ في علوم الرياضيات على يد الأستاذ ياكب يولس في جامعة لايدن. (3)
اهم مؤلفاته واعمالة وافكاره :
1. كتاب مقال عن المنهج : يعد كتاب مقال عن المنهج من أشهر كتب ديكارت على الإطلاق، وهو مصدر العبارة الشهيرة التي عرفها كل صغير وكبير على وجه الأرض وهي : " أنا أفكر إذن أنا موجود"، والكتاب عبارة عن سيرة فلسفية ذاتية نشره ديكارت في عام 1637م في مدينة لايدن إحدى مدن هولندا، وتُرجم إلى اللغة اللاتينية في أمستردام عام 1656م، واسم الكتاب الكامل هو: مقال عن المنهج المتبع لحسن قيادة عقل المرء والبحث عن الحقيقة في العلوم، وكتاب مقال عن المنهج أحد أهم الأعمال ذات التأثير الأكبر في تاريخ الفلسفة الحديثة، وله أهمية في تطور العلوم الطبيعية عمومًا، يعالج ديكارت في هذا الكتاب مشكلة الشك التي سبق البحث فيها من قبل العديد من الفلاسفة مثل: سيكستوس إمبيريكوس والغزالي وغيرهما، لكنَّ ديكارت طوَّر منهج الشك من أجل الوصول إلى الحقيقة، حيثُ بدأ ديكارت بالتشكيك في كل شيء، وجعل الشك بداية لتفكيره من أجل رؤية العالم من منظور أوضح رؤية وأكثر شفافية ومجردًا من كل الأفكار السابقة، يتألف الكتاب من ستة أجزاء وصفها الكاتب في مقدمة الكتاب.(4)
2. كتاب انفعالات النفس : أحد أشهر كتب ديكارت، وهو كتاب في علم النفس قبل أي شيء، يحاول فيه الفيلسوف الكبير رينيه ديكارت تحليل مختلف أنواع الانفعالات والعواطف والأهواء حتى يحيط بها ويفسِّر آلية عملها وتأثيرها على الشخص، حتى يستطيع بعد ذلك أن يمكِّن العقل من السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة الفرد وتحقيق السعادة له في حياته العاطفية، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ كتاب انفعالات النفس هو كتاب في الأخلاق، يُكمل فيه الكاتب ما كان قد أدرجه في علم الأخلاق المؤقت، انفعالات النفس أحد أشهر كتب ديكارت، وهو كتاب في علم النفس قبل أي شيء، يحاول فيه الفيلسوف الكبير رينيه ديكارت تحليل مختلف أنواع الانفعالات والعواطف والأهواء حتى يحيط بها ويفسِّر آلية عملها وتأثيرها على الشخص، حتى يستطيع بعد ذلك أن يمكِّن العقل من السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة الفرد وتحقيق السعادة له في حياته العاطفية . (5)
3. تأملات في الفلسفة الأولى : أطروحة فلسفية عظيمة من أشهر كتب ديكارت، نشرها أول مرة في عام 1641م باللغة اللاتينية، وتُرجمت إلى اللغة الفرنسية من قبل الدوق لوين لكن بإشراف رينيه ديكارت نفسه في عام 1647م تحت عنوان تأملات ميتافيزيقية، يتناول هذا الكتاب ستة تأملات نفى فيها ديكارت في البداية جميع الأشياء غير المؤكدة ليقوم بعدها بمحاولة التقصي والبحث عن الأشياء الواضحة والمعروفة، وقد كُتبَت هذه التأملات كما لو أن ديكارت كان يكتبها بعد أن يقوم بالتأمل لمدة ستة أيام.
4. كتاب العالم : عندما بدأ رينيه ديكارت بكتابة كتاب العالم الذي يعدُّ من أشهر كتب ديكارت، حدَّد مضمون الكتاب قبل كل شيء وموقعه بالنسبة لفلسفته، واقتصر كتاب العالم أو كتاب النور على المسائل الوجودية فقط لأن المسائل المعرفية والمنهجية كان قد بحثها سابقًا في كتاب القواعد، وفي أحد فصول هذا الكتاب أكد ديكارت على تبنيه طريقًا آخر لبناء علم الفيزياء وهو طريق يختلف عن الإدراك الحسي الذي يشكُّ في مصداقيته؛ لأنّه لا يمكن تأسيس علم على معارف غير يقينية، ولذلك فإنَّ معظم الباحثين يعتبرون ديكارت أبَ الفيزياء الحديثة إلى جانب الفلسفة الحديثة أيضًا، فقد نشرَ كتاب العالم فلسفةَ ومنهجيةَ ديكارت
5. كتاب مبادئ الفلسفة : كتاب مبادئ الفلسفة من أشهر كتب ديكارت، كتبه باللغة اللاتينية ونشره عام 1644م وقام بإهدائه لصديقته إليزابيث بوهيميا، وبعد ثلاث سنوات صدرت عن الكتاب نسخة باللغة الفرنسية عام 1647م، والكتاب بشكل فعلي هو عبارة عن دمج بين كتابيه السابقين: مقال في المنهج وكتاب تأملات في الفلسفة الأولى، وقد حدَّد الكتاب قوانين الفيزياء او مبادئ الطبيعة كما شاهدها رينيه ديكارت، وأبرز تلك المبادئ أنَّه في حالة انعدام القوى الخارجية تكون حركة الجسم موحدة وفي خطٍّ مستقيم، وقد استعار نيوتن هذا المبدأ من ديكارت عندما أدرجه مع مبادئه، ويُشار إليه حتى اليوم باسم قانون نيوتن الأول في الحركة .
6. قواعد لتوجيه الفكر : حاول رينيه ديكارت أحد أهم فلاسفة الفلسفة الحديثة أن يدوِّن منهجه في التفكير على شكل قواعد أدرجها في كتاب قواعد لتوجيه الفكر والذي يعدُّ من أشهر كتب ديكارت، فوضع في واحد وعشرين قاعدة المنهج الذي اتبعه في التفكير، حيثُ بدأ بتحديد هدف الدراسة المراد منها، وذلك أهم الأهداف لأنه إدراك ما هو مُستطاع من الحقيقة المطلقة ذات الكمال والوحدة، ثمَّ بشكل منطقي كيفية الوصول لذلك، وتلك هي المعرفة العامة التي يستطيعها المرء من شتى أنواع العلوم، وأهمها الفيزياء والرياضيات والفلسفة وبعدها الطب والكيمياء كما يرى ديكارت .
7. كتاب حديث الطريقة : واحد من أشهر كتب ديكارت، يقدم فيه الكاتب طريقته الخاصة به في التأمل والتفكير، فيؤكد على أنَّ هذا الكتاب عرض لطريقته الخاصة في تأمله للأشياء وفلسفته لها وهو ليس موجَّهًا لأن يكون مثالًا للآخرين في إيجاد طرائقهم الخاصة بهم، بل مجرَّد مشاركة للطريقة التي سار عليها ديكارت نفسه، وقد انعزل ديكارت من أجل ذلك عن الخلق ومارس تأملاته التي بدأ فيها بنسف كل المسلمات والبراهين والقواعد القديمة سواءً كانت فلسفية أو دينية أو رياضية هندسية.
8. كتاب مراسلات ديكارت وإليزابيث : يعد من من الكتب المهمه وهو حوار الفيلسوف والأميرة في الفلسفة والسياسة والعلوم، وهو كتاب مثير للاهتمام يشمل تاريخًا وسيرةً ذاتيةً بالإضافة إلى تضمنه أقوالًا فلسفية عميقةً تلقي عليه أنوار العلم، وتأتي أهمية تلك المراسلات بالأسئلة التي كانت توجهها الأميرة إليزابيث إلى صديقها ديكارت، فكانت تثير تفكيره بشكل جدي، وتجعله يبحث في القضايا المختلفة من أخلاق وانفعالات وسياسة.(7)
أهم أفكار العالم ديكارت واعماله :
هناك العديد من الافكار والاعمال المهمة لدى العالم والفيلسوف الفرنسي التي غيرت العديد من مجرى التاريخ اضافة الى كتبة المهمة في مجالة وخصوصاً الفلسفي ومن هذه الافكار والاعمال هي الاتي :(8)
1. نظرية المعرفة : وجه ديكارت الشكوك على المعرفة الحسيّة الظاهرة والكامنة، كما شكك في المعرفة المتأنيّة لليقظة، وقدرة العقل الرياضيّة على بلوغ المعرفة، وشكك في وجوده حتى تحوّل شكه إلى دليلٍ قاطع على وجوده. المنهج الديكارتيّ: وهو من المناهج الحديثة في الفلسفة، ويقوم هذا المنهج على قاعدتين أساسيتين هما البداهة والاستنباط. الثنائية الديكارتيّة: وضع ديكارت عدداً من الفروق بين النفس والجسد، ويرى أنّهما مختلفان عن بعضهما البعض.
2. أفكاره عن الله : اعتقد ديكارت بأنّ الله والعقل متشابهان؛ حيث إنّ كليهما يفكران إلا أنّه لا يمكن الإحساس بوجودهما بشكل مادي أو جسمي، غير أن الله مختلفٌ عن العقل بكونه غير محدود، كما أنّه غير معتمد في وجوده على أيّ شيء آخر، ومع العلم بأن ديكارت كان مؤمناً بوجود إله واحد قادر على كل شيء إلّا أن مذهبه قد أوصل العديد من الناس إلى الكفر بوجود الله.
3.الأخلاق : وصف ديكارت علم الأخلاق بكونه أساس الحكمة والعلوم، وأشار إلى وجوب التعرّف على كافّة العلوم قبل الخوض في علم الأخلاق.
المصادر
1. السكندر كوارية ، ثلاث دروس في ديكارت ، ترجمة يوسف كرم ، ط 2 ، دار الكا ، بلجيكا ، 2020 ، ص 24
2. احمد عتمان ، التأملات ، دار المجد ، عمان ، 2021، ص 134
3. السكندر كوارية ، مصدر سبق ذكرة ، ص145
4. رينه ديكارت ، مبادئ الفلسفة ، ترجمة نداء عادل ، دار الابداع ، بيروت ، 2019، ص63
5 . ماجد الحمدان ، تاريخ الافكار : دوائر الفكر الحديث ، دار سيبويه ، الرياض ، 2016 ، ص 59.
7.ايلي نجم ، مقاربات فلسفية ، دار الرافدين ، بغداد ، 2012 ، ص 133.
8.منير عبد الساده ، تأملات في الفلسفة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2007، ص168.
تابعنا على